في العادة، نستقبل العمل اﻷدبي بعد أن يصير عملًا منتهيًا مكتملًا متحققًا كما يريده الكاتب أن يصير لجمهوره، لكن كلاريس لسبكتور تكسر تلك القاعدة تمامًا، في العادة، نستقبل العمل اﻷدبي بعد أن يصير عملًا منتهيًا مكتملًا متحققًا كما يريده الكاتب أن يصير لجمهوره، لكن كلاريس لسبكتور تكسر تلك القاعدة تمامًا، فعلى مدار هذه الرواية القصيرة، تدفع قارئها لمراقبة النص اﻷدبي في لحظات تشكله الفعلية لا بعدها كما جرت العادة، وتدخلنا في عقل الراوي الذي يحاول صياغة عمله اﻷدبي الجديد عن تلك الفتاة التي رآها في طرقات ريو دي جانيرو، محاولًا التنقيب في ذهنه -بينما نحن نراقب- خياراته اﻹبداعية لنقل هكذا قصة، لتتحول إلى سيل متواصل من تيار الوعي مع ملامسة لتخوم الميتا-فيكشن، وإن كانت ليست هى بشخصها من تتداخل مع النص المراد تشكيله، بل روائي خلقته لهذه الرواية.
تذكرني هذه الرواية بتجربة مشابهة أقدم عليها المخرج اﻹيراني الراحل عباس كياروستامي في فيلمه المتميز (كلوز-أب)، حيث جاءت بنية فيلمه المتراوحة بين الروائي والوثائقي دون الانحياز التام ﻷي منهما، مع مراقبتنا لعملية صنع الفيلم نفسه داخل سياق الفيلم، بحيث نشاهده وهو في طور التشكل، لا بعد أن صار منتجًا نهائيًا، وهو ما جعله فيلمًا فريدًا من نوعه....more
هناك أمر أقدره وأعظمه جدًا في هذه الرواية القصيرة وفي رحلة النورس نحو الطيران، وهو إعلائه من قدر اكتساب المعرفة من خلال التجريب والخطأ، وهو درس ليس باهناك أمر أقدره وأعظمه جدًا في هذه الرواية القصيرة وفي رحلة النورس نحو الطيران، وهو إعلائه من قدر اكتساب المعرفة من خلال التجريب والخطأ، وهو درس ليس بالهين خاصة في السنوات اﻷولى من حياتنا حين نخوض أولى جولاتنا مع الحياة....more
لم أحبها على اﻹطلاق، ولا أعرف أين تكمن مشكلتي بالضبط مع هذه الرواية، هل ﻷنها ترص اﻷحداث أكثر مما تبنيها على غرار ما فعله عز الدين شكري فشير مع روايته لم أحبها على اﻹطلاق، ولا أعرف أين تكمن مشكلتي بالضبط مع هذه الرواية، هل ﻷنها ترص اﻷحداث أكثر مما تبنيها على غرار ما فعله عز الدين شكري فشير مع روايته (باب الخروج)؟ هل ﻷنها عالجت فكرة تقليدية (هجاء السلطة) بطريقة أكثر تقليدية؟ هل ﻷني لم أشعر بأي اكتراث بما يحدث أمامي على الورق؟ هل ﻷني قرأت هجائيات أكثر قوة وتماسكًا من (السراية الخضراء)؟ لا أعرف...more
تعرفت على هذه الرواية وكاتبها جورج أمادو للمرة الأولى من خلال مشاهداتي المتكررة لفيلم (جنة الشياطين) للمخرج أسامة فوزي والسيناريست مصطفى ذكرى الذي كانتعرفت على هذه الرواية وكاتبها جورج أمادو للمرة الأولى من خلال مشاهداتي المتكررة لفيلم (جنة الشياطين) للمخرج أسامة فوزي والسيناريست مصطفى ذكرى الذي كان من المعجبين بالرواية وقرر أن يعيد صياغتها مرة أخرى في قالب أكثر سوادوية وعدمية بشكل غير معهود في السينما المصرية على هذا النحو، وبطريقة مختلفة كثيرًا عما قام به أمادو في روايته.
وعلى الرغم من كوني متحيزًا لصياغة مصطفى ذكرى للحكاية ولعالمها المخيف في الفيلم الذي صار واحدًا من أفلامي المفضلة، إلا أني أحببت الرواية اﻷصلية كثيرًا وأحببت تلاعب أمادو بوجهات النظر وبالمسافات الفاصلة بين الحياة والموت، وانتزاعه للقدسية والهيبة من فكرة الموت، وهجائه لكل مظاهر الزيف الاجتماعي....more
العظمة الجمة، يوسا يخلق عملًا بالغ التألق محملًا إياه كل تصوراتنا المتضاربة عن الجنس من توق دائم نعبر عنه بخيالاتنا الجنسية إلى خوف ورعب شديدين من سطوالعظمة الجمة، يوسا يخلق عملًا بالغ التألق محملًا إياه كل تصوراتنا المتضاربة عن الجنس من توق دائم نعبر عنه بخيالاتنا الجنسية إلى خوف ورعب شديدين من سطوته الشديدة على النفس والذهن والجسد، وخالقًا لنا من خلاله بازل حكائي يزاوج فيه بين خيال جنسي خصب يتنفس عبر ست لوحات من تراث الفن التشكيلي العالمي مع العوالم الواقعية الخاصة لشخوص الرواية الثلاث: الأب والابن والخالة....more
على الرغم من إقراري بالجاذبية الشديدة للحكاية، وتوفيق ماركيز في اختيار أسلوب الصياغة الخبرية والاستقصاء الصحافي لسرد هذه الحكاية المتشرذمة، إلا أنه كاعلى الرغم من إقراري بالجاذبية الشديدة للحكاية، وتوفيق ماركيز في اختيار أسلوب الصياغة الخبرية والاستقصاء الصحافي لسرد هذه الحكاية المتشرذمة، إلا أنه كان يجب العمل على تكثيف الحكاية على نحو أفضل مما كانت عليه النتيجة النهائية من أجل تجنب الإسهاب الذي وقعت به هذه الرواية القصيرة وتجنب تكرار ذكر بعض الوقائع أكثر من مرة خلال أحداثها....more
مرت تسع سنوات كاملة منذ أن قرأت (مائة عام من العزلة)، وطيلة هذا الوقت لم اقرأ شيئًا لماركيز، فقررت أن أشرع أخيرًا في قراءة (الحب في زمن الكوليرا)، خاصمرت تسع سنوات كاملة منذ أن قرأت (مائة عام من العزلة)، وطيلة هذا الوقت لم اقرأ شيئًا لماركيز، فقررت أن أشرع أخيرًا في قراءة (الحب في زمن الكوليرا)، خاصة بعد أن شبهني الكثير من أصدقائي طيلة هذه الفترة ببطل الرواية فلورنتينو أريثا دون كثير من الإيضاح.
أعتقد إني وجدت بالفعل الكثير من نقاط التشابه بيني وبين أريثا، وحدث لي توحد كبير مع الكثير من المنعطفات النفسية التي مر بها لأنني مررت بالفعل ببعض مما مر به، حتى أني كنت استحضر طوال فترة قراءة الرواية عبارة شهيرة للكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل كان يقول فيها: " إن الاعتقاد المسلم به والذي يقول أن الزمن يشفي الجروح هو اعتقاد مغلوط، وإننا نعتاد عليها، وهذا ليس هو الشيء نفسه ".
ماركيز لا يروي علينا مجرد قصة مثلث حب تقليدية، إنه يدفعنا إلى معايشة التاريخ الطويل الذي عايشته الشخصيات، والمسارات التي ذهب إليها كل من أريثا وفيرمينا داثا في حياتهما، والتي لا تغيب أبدًا عن إدراك كليهما، بل يظل حاضرًا بحضورهما الدائم في نفس المجتمع البرجوازي الذي صعد إليه كل منهما على طريقته الخاصة.
كما كان من المذهل إدراك ماركيز العميق لفكرة (حقائق الحياة التي تتجلي على نحو واضح مع التقدم في السن) والتي يحرص على إبرازها دراميًا بالتزامن مع ما ينتاب بطلي الرواية من تغيرات فسيولوجية طبيعية تغير أيضًا من نظرتها حول تاريخ علاقتهما معًا، والتي يقدمها على نحو أفضل مما قام به كاواباتا ياسوناري في روايته الشهيرة (الجميلات النائمات).
وبالرغم من انعطاف الرواية في بعض الأحيان نحو بعض الخطوط الجانبية التي كانت تعرقل بشكل طفيف تدفق سير الأحداث، إلا أني أحببت الرواية للغاية، وإن كنت لا زلت أفضل (مائة عام من العزلة)....more
منذ سبع أو ثمان سنوات، شاهدت بالصدفة فيلمًا مكسيكًيا لم أسمع به من قبل يحمل عنوان (كالماء للشوكولاتة) على قناة أو تي في التي كانت تعرض جميع أفلامها فيمنذ سبع أو ثمان سنوات، شاهدت بالصدفة فيلمًا مكسيكًيا لم أسمع به من قبل يحمل عنوان (كالماء للشوكولاتة) على قناة أو تي في التي كانت تعرض جميع أفلامها في ذلك الوقت بدون حذف أية مشاهد، وأسرتني للغاية حكايته الأليمة وخياله المحلق وحسيته الشديدة، وبعد المشاهدة اكتشفت أن الفيلم مقتبس عن رواية ذائعة الصيت في أمريكا اللاتينية وخارجها لكاتبة مكسيكية هى لورا اسكيفال، وأن هذه الرواية ترجمت للعديد من لغات العالم بما فيها الانجليزية، لكنها ظلت رغم شهرتها البالغة غير مترجمة إلى اللغة العربية لحوالي ثلاثون عامًا تقريبًا، وهو ما كان أمر مستفز لي ويدفع به إلى رأس قائمة أمنيات القراءة غير المتحققة، خاصة بعد التقريظ الكبير الذي لمسته من المدونة رحاب بسام في مدونتها الشهيرة (حواديت) نحو الرواية، والتي كانت تعتبرها من رواياتها المفضلة.
لم أتخيل أن أمنيتي بقراءة الكتاب ستتحقق بعد كل هذه السنوات، وعلى يد صالح علماني الذي تكفل بترجمتها أخيرًا إلى العربية، واكتشف مع القراءة أن الفيلم المقتبس عنها الذي شاهدته كان ملتزم على نحو كبير بروح الرواية، فمع كل الألم والحسرة الذي يعتصر قصة حب تيتا وبيدرو، كان هناك وصل حميمي ودقيق مع مواطن اللذة يدفع الحكاية ويحركها طيلة الوقت، وكل المشاعر تطفو على السطح وتتجسد برؤيا العين، ناهيك عن التفهم الواضح لبواطن الشغف لدى المرأة.
تمزج الرواية على نحو واعي بين تيمة الحب المحرم والحكاية العائلية مع نفحات منتظمة من الحسية المتمثلة في كل هذا الحديث المتواصل عن الطعام والشبق الجنسي، وهو ما فرض الرواية كواحدة من أهم منجزات الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية....more
بدون أي قدر من المبالغة، ربما تكون تساؤلات نيرودا في مجموعته الخلابة هى أكثر أشكال الشعر تكثيفًا وعمقًا وتأثيرًا في نظري، وربما أكثر من شعر الهايكو أيبدون أي قدر من المبالغة، ربما تكون تساؤلات نيرودا في مجموعته الخلابة هى أكثر أشكال الشعر تكثيفًا وعمقًا وتأثيرًا في نظري، وربما أكثر من شعر الهايكو أيضًا، حيث يصير هنا كل تساؤل بمثابة قصيدة مكتملة، وكمثل صورة فوتوغرافية من عين كاميرا بالغة الحساسية تلتقط المحسوس لا المرئي....more
نادرًا ما تصادفني تلك النوعية من الروايات التي يمكن وصفها بالسهل الممتنع، لكني لا أجد وصفًا آخر يمكن إطلاقه على هذه الرواية به سواه، فهى لا تحتوي سوى نادرًا ما تصادفني تلك النوعية من الروايات التي يمكن وصفها بالسهل الممتنع، لكني لا أجد وصفًا آخر يمكن إطلاقه على هذه الرواية به سواه، فهى لا تحتوي سوى على عدد محدود من الشخصيات يمكن إحصائها على أصابع اليد، بالإضافة إلى خلفية درامية/سياسية مرتبطة بالفترة الوجيزة التي تولى فيها سلفادور الليندي مقاليد الحكم في شيلي، لكنها كانت تملك القدرة على توصيل كل ما في جعبتها بأبسط الطرق وأسرعها نفاذًا إلى القلب والعقل.
وبالتوازي مع كون الشاعر التشيلي بابلو نيرودا هو أحد الأبطال الرئيسيين للرواية، كان هناك ارتقاء عظيم باللغة، وهو ما نستشعره مع سكارميتا من خلال إفساحه لشطر كبير من روايته للحوارات التي يرتقي فيها الحديث لمرتبة الشعر، مثلما كان الأمر في محاورات نيرودا مع ماريو، أو في غزليات ماريو لمحبوبته بياتريث....more
يبدو لي الحصول على "كتابين في بروجرام واحد" صفقة رابحة ومغرية ﻷبعد الحدود.
في العام قبل الماضي كنت قد بدأت في قراءة "كتاب المخلوقات الوهمية" باﻹنجليزيةيبدو لي الحصول على "كتابين في بروجرام واحد" صفقة رابحة ومغرية ﻷبعد الحدود.
في العام قبل الماضي كنت قد بدأت في قراءة "كتاب المخلوقات الوهمية" باﻹنجليزية، وقطعت فيه شوطًا لا بأس به، لكني توقفت عنه بسبب انشغالي الشديد وقتئذ بقراءات أخرى، ثم قررت العودة إليه مجددًا، لكن هذه المرة في نسخته العربية بترجمة ممتازة من بسام حجار.
ربما لا يكون "كتاب المخلوقات الوهمية" هو أول ما وُضع في هذا الصنف، لكنه لا ينفي كم الدهشة التي تكتنف جنباته، خاصة حين نستشعر دقة وصفه لهذا الكتاب بأنه "حديقة حيوانات اﻷساطير"، ويغدو معها خلاصة مبهرة وموسوعة مصغرة لنتاج صنعة الخيال لدى البشر على مر التاريخ وعبر مختلف أصقاع اﻷرض، والتي حاولوا بها خرق حجب المجهول وتأويل المجرد.
وعلى صعيد آخر، يغدو الكتاب الثاني "ضيفًا مع بورخيس" مدخلًا ممتازًا لمن يفكر في قراءة أعماله القصصية، ﻹنها تعطيه فكرة واضحة عن اتساع عقليته الموسوعية وامتداد وتعقيد وخيالية عالمه اﻷدبي والشعري....more