ولاء شكري's Reviews > دروس من التاريخ

(هل نعلم حقا ماذا مضى؟ ما الأحداث التي وقعت بالفعل؟ أم أن التاريخ عبارة عن مجموعة من الخرافات لا يمكننا الإتفاق عليها ؟ )
عِلمنا عن الأحداث الماضية دائماً ناقص وغير دقيق في أغلب الحالات.. ومشوش بالأدلة المتضاربة والمؤرخين المتحيزين، وربما يكون مشوهاً أيضاً بنحيازاتنا وتعصباتنا الدينية والوطنية..

من خلال هذا الكتاب يتساءل الكاتب عما يمكن للتاريخ أن يعرضه لنا عن طبيعة البشر وسلوكهم وآفاق مستقبلهم وذلك تحت عدة عناوين منها:

♡ التاريخ والأرض
(التاريخ خاضع للجيولوجيا)، فقد تُدفن حضارات تحت الرمال فقط لعدم هطول أمطار كافية كما حدث في وسط آسيا أو تنغمر وسط الغابات إذا هطلت أمطار غزيرة كما حدث في وسط أمريكا ..ولكن خارطة الحضارة تتغير الآن ويضعف تأثير العوامل الجغرافية كلما تطورت التكنولوجيا ..و يرى الكاتب أن "وحده خيال القادة ومبادراتهم والجهد الدؤوب الذي يبذله اتباعهم هي العوامل الوحيده القادرة على إقامة حضارة في مواجهة الآلاف من العوامل والمصاعب الطبيعية والبشرية .. فالبشر لا الأرض هم الذين يخلقون الحضارة

♡ التاريخ والبيولوجيا
يعلمنا التاريخ ثلاث دروس بيولوجية هى:
▪︎الدرس البيولوجي الأول: ( أن الحياة منافسة) ..
فنحن خاضعون لعملية التطور .. خاضعون لصراع من أجل البقاء ولصلاحية قانون البقاء للأصلح .
▪︎الدرس البيولوجي الثاني: ( أن الحياة انتقاء) ..
فبعض الكائنات تنجح وبعضها يفشل فى الصراع من أجل البقاء، فنحن جميعاً لا نولد أحراراً ولا متساويين .. نحن محكومون بموروثنا الجسدي والنفسي ومحكومون بعادات وتقاليد جماعتنا ... متفاوتون بشدة في ما وهبنا من صحة وقوة جسدية ومن قدراتنا الذهنية وصفاتنا الشخصية وليس التفاوت طبيعياً وفطرياً فحسب بل إنه ينمو مع زيادة تعقيد الحضارات.. فالطبيعة تسخر من اجتماع الحرية والمساواة لأن الحرية والمساواة حتماً ودائماً عدوان لدودان متى عم أحدهما انحصر الآخر ..
اترك الناس أحرارا و ستتضاعف تفاوتاتهم الطبيعية ولتحقيق السيطرة على نمو التفاوت بين الأفراد يجب التضحية بالحرية.
▪︎الدرس البيولوجي الثالث: (أن الحياة يجب أن تتكاثر) فالطبيعة لا تعبأ بالكائنات التى لا يمكنها أن تتكاثر بوفرة... فمعدلات الولادة يمكنها أن تفعل ما تفعله الحروب من تحديد مصير الديانات والمعتقدات

♡ التاريخ والعرق
فند الكاتب الإدعاء بأن (الجنس الآري بطبيعته متفوق على باقي الأجناس) قائلاً:
إن دور العرق في التاريخ دور تمهيدي أكثر من كونه دوراً خلاقاً .. وأن دراسة التاريخ تعلمنا أن الحضارة منتج يحتاج إلى تعاون الجميع وأن كل الناس تقريباً قد أسهموا في تكوينه.

♡ الشخصيات والتاريخ
لا تُبني المجتمعات على الفضائل والمثل العليا، ولكن تُبني على طباع البشر ..فالمحافظ الذي يقاوم التغيير مهم للمجتمع مثله مثل الراديكالي الذي يسعى لتغييره، بل قد يكون أكثر أهمية منه.. كما تكون الجذور أهم للشجرة وأكثر حيوية من الجذوع فمن الجيد أن تسمع الآراء الجديدة حتى تأخذ الأفكار القليلة منها القابلة للتنفيذ والاستخدام، و��ن الجيد أيضاً أن تتعرض هذه الأفكار الجديدة لطواحين الرفض والاعتراض والمقاومة فهذه العوامل تقف بمثابة إختبار حراري للأفكار قبل أن يُسمح لها أن تدخل على العرق البشري، فمن المفيد والجيد أن يقاوم الكبار الصغار وأن يندفع الجيل الأصغر في وجه الجيل الأكبر منها، فبين هذا الشد والجذ�� تخرج قوه خلاقة جاذبة .

♡ الأخلاق والتاريخ
يجب علينا أن نتذكر أن التاريخ الذي نكتبه مختلف إلى حد كبير عن التاريخ الذي نعيشه، فالمؤرخون يكتبون الأحداث الاستثنائيه لأنها مثيرة.. لأنها استثنائية!.. و يؤكد لنا التاريخ أن الحضارات تضمحل في العادة بعد أن يبدأ الاضمحلال الأخلاقي .

♡ الدين والتاريخ
التعنت الدينى وإنكار الدين كلية يتبادلان الأماكن في تفاعل مشترك دائم بينهما على مدار التاريخ.. فعلى العموم يحكم الدين والتعنت عندما تكون سلطة القانون والدولة ضعيفة ولا تستطيع أن تتحمل عبء تماسك المجتمع وترابطه.. وينتشر التشكيك والإلحاد في الفترات التي يكون فيها سيادة القانون وقوة الحكومة تسمحان بتهميش دور الدين والعائلة والقيم الأخلاقية دون أن يهدد ذلك استقرار وثبات المجتمع والدولة .. ويرى الكاتب أن الدين ضروري لحفظ الأخلاق، وأن الاخلاق الفطرية وحدها دون وازع ديني أضعف من أن تقاوم
الوحشية التي تتربص بالحضارة وتظهر في أحلامنا وجرائمنا و حروبنا..

♡ الاقتصاد والتاريخ
تجمُّع الثروات طبيعي وحتمى في أي مجتمع، ويتم كسره من فتره إلى أخرى بإعاده التوزيع الجزئي للثروة سواء كان في إطار سلمى أو عنيف.

♡ نظم الحكم والتاريخ
(أول شروط الحرية هو حدودها ...اجعلها بلا حدود وستغرق في الفوضى) ...
لذا فالوظيفة الأساسية لنظام الحكم هى أن يحافظ على النظام ..ويذكر الكاتب أن (الملكية هي أكثر صورة طبيعية للحكم فهي تحاكى في سلطتها على المجموعة سلطة الأب على الأسرة، ولو أننا سنحكم في هذا الأمر بطول المدة التي حافظت عليها كل صورة للحكم ومدى انتشارها فسنحكم مره أخرى للملكية... فالديمقراطية لم تكن إلا فترات إعياء بالمقارنة بها) .

♡ التاريخ والحرب
الحرب ثابت من ثوابت التاريخ ..و أسباب الحرب هي نفسها أسباب التنافس بين الأفراد : نزعة التملك وحب القتال والكبرياء والرغبة في الطعام وامتلاك الأراضي والمواد الخام والوقود والسيطرة والسيادة .
فالإنسان طبيعته "تنافسية" و دُوَّلة لا بد أن تكون مثله .. ففواصل السلام السائد هذة غير طبيعية واستثنائية وستنتهى قريباً بتغييرات فى توزيع القوة العسكرية، وأن الانتخاب الطبيعي الآن يعمل على المستوى الدولى ولن تتحد الدول فى تعاون أساسى إلا إذا تعرضت بشكل مشترك للهجوم من الخارج ..

و فى الختام يقول الكاتب :
بما إننا لم نقر أي تغيير جوهري في طبيعة الإنسان خلال العصور التاريخية فيجب علينا محو كل التطورات التكنولوجية باعتبارها مجرد وسائل جديدة لتحقيق غايات قديمه( اقتناء السلع وسعى أحد الجنسين وراء الجنس الآخر والتغلب على المنافسة وخوض الحروب)... وإن أحد الاكتشافات المحبطه و المخيبة للآمال هو أن العلم محايد: سيقتل من أجلنا بقدر ما سيعالج .. وسيدمر من أجلنا بسهولة أكبر مما يمكن أن يبني.. فلقد انطوى تقدمنا فى العلم والتقنيات على بعض من صبغة الشر مع الخير ..

و قد نرى أن القدماء يظفرون بالجائزة فى المناظرة بين القديم و الحديث، ولكن يجب علينا أن نضع فى الحسبان ما تم القضاء عليه فى الدول الحديثة من أمراض وأوبئة ومجاعات و خرافات و .... و ما حصلنا عليه من رفاهية وراحة وتعليم و ... فالوضع ليس بالسوء الذى نظنه !