ربما يكون هذا هو الكتاب الذي ظللت طيلة حياتي أبحث عنه..
تواجهني على الدوام مشكلة مزمنة حين أحكي ﻷصدقائي عن إحساس الوحدة، كأني بالضبط أحاول أن أحوز قبضةربما يكون هذا هو الكتاب الذي ظللت طيلة حياتي أبحث عنه..
تواجهني على الدوام مشكلة مزمنة حين أحكي ﻷصدقائي عن إحساس الوحدة، كأني بالضبط أحاول أن أحوز قبضة من الهواء بيدي، إنه إحساس شديد الذاتية، شديد المراوغة، شديد التجريد، شديد الفردية، قد لا يدرك المرء في بعض اﻷحيان على وجه التحديد سبب إحساسه بالوحدة، وقد يدرك هذا اﻹحساس بمجرد الفطرة والسليقة لكنه لا يملك أن يعبر عنه أو أن كلماته لا تسعفه بالقدر الكافي لتوصيف هكذا إحساس، كأن القاموس، ذلك القاضي البارد على حد تعبير لاينج نفسها، لم يوفق في العثور على الكلمة المناسبة لها، وهو ما ذكرني شيئًا ما بمشروع (قاموس اﻷحزان الغامضة) لواضعه جون كينوج، والذي يحاول سبر أغوار الكثير والكثير من المشاعر الحزينة التي لا تملك كلمات تصفها بدقة.
أوليفيا لاينج تبدأ التفتيش في طرقات المدينة ومسارات الذات وإنكسارات الروح عما يعني أن يكون المرء وحيدًا من ذاتها، من نفسها، ومن أشيائها التي شغفتها حبًا وتماست مع إحساسها بالوحدة، المبتدأ من عندها لكنها ليست هى المنتهى، بل إنها تنشد البحث عن صورة وتعريف الوحدة في مرايا اﻷخرين ممن أحبت من فنانين عن هذا اﻹحساس الغامض الزئبقي الذي يستعصي كثيرًا على محاولات اﻹمساك، وتبحث معهم عن اﻷحساسيس المشتركة بينها وبينهم، إنها سيرة ذاتية كبيرة تشتمل في داخلها على سير ذاتية مصغرة لكن ليس بالضرورة للأحداث، وإنما للمحسوسات.
تمر لاينج سريعًا للغاية في بدايات الكتاب عما قرأته من دراسات وأعمال أكاديمية حاولت تعريف وتفسير الوحدة، ربما ﻷنها عرفت بشكل لا واعي أن هكذا شعور لا يكفي معه وضعه تحت مبضع الجراح في عالم اﻷكاديميا، كما لم تتوقف كثيرًا عند قصة حبها الفاشلة التي جاءت بها إلى هذه المدينة، ولا تحاول عيش دور الضحية لها، بل تتخذها نقطة بداية من أجل فهم أعمق لنفسها.
مع المضي قدمًا في الكتاب، يتكشف لدى القاريء أن كل امرؤ يشعر بالوحدة يملك صيغته الخاصة من هذا الشعور، حتى لو تشابهت الدوافع والمنطلقات ومسارات اﻷحداث، وهو ما قد يدفع القاريء للتفتيش في داخله عن صيغته ونسخته الخاصة، حتى مع مرارة وغصة هذا البحث، وحتى مع اﻹحساس المتعب نفسيًا الذي يستتبع قراءة هذا الكتاب، أوليفيا لاينج تمنح كل الوحيدين علامات طريق للبحث والتفتيش في دواخلهم، وهذا الكتاب هو مجرد بداية....more
قيمت الكتاب تقييمًا متوسطًا بناء على طريقة تجاوبي مع مكوناته شديدة التنافر والتفاوت، أحببت أشياء وكرهت أشياء أخرى، هناك في الكتاب ما أضحكني، وما أصابنقيمت الكتاب تقييمًا متوسطًا بناء على طريقة تجاوبي مع مكوناته شديدة التنافر والتفاوت، أحببت أشياء وكرهت أشياء أخرى، هناك في الكتاب ما أضحكني، وما أصابني بالتقزز والقرف، وما شعرت به بالسأم، وما أثار في نفسي الحماس، وما غمض علي أو استغلق فهمه، لن تستطيع أن تأخذ موقفًا واحدًا من الكتاب، لن ترفضه بالكلية وكذلك لن تقبله بالكلية....more
على قدر الإرهاق الكبير الذي صادفني في رحلة قراءتي لهذا الكتاب، تأتي الكثير من المتعة وحس الاسكتشاف في عالم غير مطروق من قبل على هذا النحو في أدبيات العلى قدر الإرهاق الكبير الذي صادفني في رحلة قراءتي لهذا الكتاب، تأتي الكثير من المتعة وحس الاسكتشاف في عالم غير مطروق من قبل على هذا النحو في أدبيات الكتابة عن العمل الفني، كما أنه يحتاج للكثير من البحث عبر شبكة الانترنت عن كافة الأسماء والأعمال الفنية والواردة في ثنايا الكتاب، بالإضافة إلى الإطلاع على أنشطة المؤسسات الفاعلة في عالم الفن (مثل مجلة آرت فورام ومؤسستي كريستيس وسوثبي) لكي تكون أمام الصورة الكاملة كما أرادت المؤلفة أن يكون كتابها.
منذ سنوات طويلة، كان لدي شغف كبير بالقراءة والإطلاع في مجالي تاريخ الفن وفلسفة الفن، لكن سارة ثورنتون بكتابها الممتع تقتحم مجالًا جديدًا بالكلية، وهو واقع الفن الذي يفجر الكثير من الأسئلة: ما هو الحجم الطبيعي للفنان في ذلك العالم مترامي الأطراف والمنغلق على ذاته في نفس الوقت؟، ماالذي قد يجعل لوحة ما (ولنقل لوحة لاعبي الورق لبول سيزان) بالقيمة التي هى عليها حاليًا (حوالي 275 مليون دولار) بينما لا يساوي عملًا آخر بضع مئات من الألوف فحسب؟، ما هى الآليات والقوانين غير المنصوصة التي تحكم عالم الفن من داخله ولا يعرف بها سوى العليم ببواطن الأمور فيها؟
تظل فكرة الاستكشاف الذاتي للمنابع التي يستقي منها الفنان فنه من أكثر المواضيع بالغة الثراء، وخاصة إذا جاءت هذه العملية من طرف فنان بقامة الفنان الراحلتظل فكرة الاستكشاف الذاتي للمنابع التي يستقي منها الفنان فنه من أكثر المواضيع بالغة الثراء، وخاصة إذا جاءت هذه العملية من طرف فنان بقامة الفنان الراحل محيي الدين اللباد، حيث يوجز ويتحدث بالكتابة والرسم عن الكثير مما جذبه وشد ناظريه خلال النشأة وجعل منه الفنان الذي نعشق فنه في هذا الكتاب خفيف الروح رشيق البناء، وهو ثاني كتاب مفضل من كتب اللباد بعد (نظر) مباشرة....more