Al-Jahiz أبو عثمان عمرو بن بحر محبوب الكناني الليثي البصري، (159-255 هـ) أديب عربي من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، ولد في البصرة وتوفي فيها
انتـهج الجاحظُ في كتبه ورسـائله أسلوباً بحثيًّا أقلُّ ما يقال فيه إنَّهُ منهجُ بحثٍ علميٍّ مضبوطٌ ودقيقٌ، يبدأ بالشَّك لِيُعْرَضَ على النَّقد، ويمرُّ بالاسـتقراء على طريق التَّعميم والشُّـمول بنـزوعٍ واقعيٍّ وعقلانيٍّ، وهو «في تجربته وعيانه وسماعه ونقده وشكِّه وتعليله كان يطلع علينا في صورةِ العالم الذي يُعْمِلُ عقله في البحث عن الحقيقة، ولكنَّه استطاع برهافة حسِّه أن يسبغ على بحثه صبغة أدبيَّةً جماليَّة تُضفي على المعارف العلميَّة رواءً من الحسن والظَّرْف، يرفُّ بأجنحته المهفهفة رفيف العاطف الحاني على معطيات العلم في قوالبها الجافية، ليسيغها في الأذهان ويحببها إلى القلوب، وهذه ميزة قلَّت نظيراتها في التُّراث الإنساني
al-Jāḥiẓ (Arabic: الجاحظ) (full name Abū ʿUthman ʿAmr ibn Baḥr al-Kinānī al-Baṣrī أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني البصري) (born in Basra, 781 – December 868/January 869) was an Arabic prose writer and author of works of literature, Mu'tazili theology, and politico-religious polemics.
رسالة تبعث الدفء في النفوس، رسالة تسمو بالنّفس وتنتشلها من تخبّطها ما بين الأهواء والشهوات، رسالة مختصرها روّضوا نفوسكم وعلّموها مكارم الأخلاق .. ببساطة تستحقّ القراءة .. وبعد القراءة الوقوف طويلا للتّأمل ومن ثم العمل بمحتواها .
من أنفع ما قرأته في عام، مع المتعة الغالبة، يعدد فيه مؤلفه أفراد الأخلاق الفاضلة والمسترذلة، مع ذكر حد كل خلق وتعريفه.. ليتفقد القارئ نفسه ويعلم ما فيه من الفضائل فينميه، وما فيه من عيبٍ ؛ فيعمل على نفيه وتلافيه.. والإنسان على نفسه بصيرة
وفي الكتاب حث على الفضائل وزجر عن الرذائل، مع ذكر السبيل الموصلة للخلق القويم
يُنسب الكتاب للجاحظ، وينسب كذلك لغيره، فالله أعلم، لكن لن يضر القارئ هذا الاختلاف في النسبة، إن عزم على الانتفاع بما فيه، ورزقه الله عوناً من عنده .. وما أجدر كتاب كهذا بالمدارسة والحفظ والعمل
إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ قرأن كريم فكرة تقسيم الأخلاق، لأخلاق الملوك، والعامة، هي بالطبع فكرة سيئة، فكرة مكيافيلية بامتياز، غير أخلاقية. فأن تأمر العامة بالزهد، والملك بالطمع، وأن تأمرهم بالصمت والسكوت، وتأمر الملك بالجشع، وأن تأمرهم بالزهد، في الحياة، وأن تأمر الملك بالخبث فذلك عين التناقض. يذكرني الكتاب كثيرًا بما كتبه ابن عربي في نفس الموضوع، وأظن أن بعض التعريفات نقلت نصًا كذلك مما يدفعني للتشكيك في نسبة الكتاب للجاحظ عامة هو كتاب ��يد فيما يتعلق بتعريف الفضائل والرذائل، وفيما تعلق بوضح الحدود للأخلاق المرذولة والمحببة، وفي تعريف النفس كذلك وأنواعها، وهو وإن اتفق تمامًا مع غيره من فلاسفة اليونان وفارس، ولكنه جاء جيدًا للغاية في هذا الباب. الكتاب جيد للغاية، وقد يستعان به فيما يتعلق بتربية الأحداث والأطفال بل وحتى الشباب.
نظرة بدائية للأخلاق.. تقسّمها أخلاقا للملوك وأخرى للرعية والدعاه حتى النساء لم تسلم وصار البخل مستحسنا فيهن!! تذكرني هذه النظرة بقوانين حمورابي التي تجعل القصاص من الجاني مختلفاً تماماً إذا كان هو والمجني عليه عبدا أو نبيلا.. أظنه أقل كتب الجاحظ حجماً وقيمة!!
هو كما أشار في عنوان كتابه (تهذيب الأخلاق) فكان كتابه حديثٌ عن الأخلاق الحسنة، والأخلاق الدنيئة وما ينبغي التأسي به، وما ينبغي اجتنابه
والكتاب يذكرتي بكتاب ابن المقفع (الأدب الكبير والأدب الصغير) بيد أن أُنسي بكتاب ابن المقفع أكثر من هذا الكتاب
ولي ملاحظات: الأولى: ترحم المحقق على الجاحظ، ومن العلماء من لا يختصونه بدعاء الرحمة؛ لأنه ممن اختلف بحالهم كابن الرومي، وابن عربي، فإلى الله أمرهم، فقد خلطوا في كتاباتهم كلامًا لا يرتضيه مسلم فلله أمرهم. الثانية: تكرار الجاحظ لنفس الفكرة بعدة أساليب مما يبعث على الملالة، حتى أني صرت أتخطى الكثير الثالثة: ذكر أن الزهد بالملوك لا يليق، لأن الأفضل له احتشاد الأموال والجند... إلخ وأن الحكم لا يقوم بالزهد! ويكأنه ما قرأ عن الخلفاء رضي الله عنهم ولا عن عمر بن عبدالعزيز و نور الدين محمود زنكي رحمهما الله بل كانوا أحسن من تولى الخلافة وقام بها الرابعة: قوله أن (البخل في النساء لا يُذم) وعلل بعضهم ذلك بأنها لو كانت تنفق لطالت مال زوجها وأهلكته بالانفاق والكرم!، فأين هم عن حث النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بالبذل والعطاء حين قال: "تصدقن" فألقين بالأساور والذهب انفاقًا لله سبحانه، فلو كنْ بخيلات ما جادت إحداهن بجزءٍ من ظفرها فكيف بأعظم ما تكنز! فالبخل مذموم في النساء والرجال.
ذكر صاحب تهذيب الأخلاق عبارة تستحق التأمل:"فأما الفضل فليس يكون أحد أفضل من أحد إلا بكثرة الفضائل فقط".
ثم يضيف:"فإن الناس يتفاضلون على الحقيقة بفضائلهم لا كما يعتقد الجهال والعامة أنهم يتفاضلون بأحوالهم وأموالهم، ثم إنهم يعظمون أبدًا الأغنياء حتى لو كانت نفوس ذوي المال قبيحة ورديئة! .. ثم اِعلم رحمك الله أن كثرة المال ليس مما يتفاضل به الناس بل كثرتها مما يتفاضل بها أحوال الناس".
بمعنى أن مكانتك الاجتماعية وموقعك الفعلي يتحدد بحقيقة جوهرية هي"بالنفس التي بين جنبيك". دع عنك أفهام الناس واختلاف رؤياهم وتعريفاتهم المضطربة، فهم لا يدركون جوهر الحقائق وماهياتها على ماهي عليه. العامة غالبًا قاصرون في أفهامهم، تغلب عليهم النظرة العاطفية لا المنطقية، فبهذا لا تعبأ بتصوراتهم، التي عادةً ما تنطلق من العادات والتقاليد وما تعارف عليه القوم وإن كان يشوبه الخطأ والفساد، وكذا من الغرائز والشهوات والأوهام.
نعود للنص الذي قال فيه:"التفاضل والعلو بين الناس يكون بالآداب والمحاسن الذاتية". ونفترض معه افتراضًا يقول فيها القائل:(كيف يعلو من كان صاحب خلق رفيع لكنه جاهل .. على صاحب العلم والمعرفة وهو واقع في رذيلة من الرذائل المستقبحة؟) فالجواب أن صاحب الخلق هذا، لم تكتمل فضائله فإن من أظهر ما ينقصه فضيلة "عظم الهمة".
وقد "ذكرنا في التعريف" أن علو الهمة هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، والتهاون بما يملكه سواء كان علم أم غيره، فمن اكتفى ورضي عن حاله فقد وقع في رذيلة "صغر الهمة"وهي ضعف النفس عن المطالب العالية.
وهذا غيض من فيض، فمن أدمن النظر في هذا الفن وطلب علومه ومعارفه، فالألم رفيقه، ألمٌ حادٌ في النفس، ولابد. لأن المرء إذا صدق مع نفسه، وتمعن في كتب في الأخلاق والفضائل. عَلمَ بالضرورة، قلة بضاعته من العادات الجميلة وكثرة قبائحه.
ثم إن عُرفت الفضائل بالدرس، هكذا بألفاظها ومعانيها، فهل هذا موجب لاكتسابها؟ أبدًا. يصعب جدًا اكتساب الفضائل وقهر المعائب والنقائص. وبالمفارقة تظهر الحقائق؛ فإن كان كسب المال وغيره صعب بطبيعة الحال كما هو معلوم، فكيف بإكتساب ما هو أنفس وأثمن من كل مغانم الدنيا وجواهرها؟
وبهذا يكون هذا هو السبيل الأنفع والأنسب للإنسان الممتاز. أن يبدأ أولًا في اكتشاف الطريق، ثم يسير في مرتفعاته ومنخفضاته معتقدًا في نفسه وبإيمان متين أن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سبحانه سفسافها. معنى ذلك كله أن يكون هذا هو مشروع الحياة، يكدح المرء نحوه رويدًا رويدًا حتى يسلم الأمانة لبارئها.
ومن يكن ذا فضل فيبخل بفضله عن قومه يستغنى عنه ويذمم
كانت هذه الأبيات من قول واحد من أشهر وأشعر شعراء العرب في الجاهلية وهو زهير إبن أبي سلمى ، وحيث أني رائيت الجاحظ يتجه نفس الإتجاه في النصائح وتصنيف الأخلاق ، حيث جعل رسالته من منظور اجتماعي فقط وليس من منظور ديني ، نادراً ما يذكر الله في مواعظه ، وكل سبب للتغير هو الناس ، وحب الشخص أن يذكر بذكرٍ حسن وأن يكون ممدوحاً في الناس ، كان إذا ذكر الخمر ينهاك عنها لكي لا تكون سفيهاً قميئاً ، لا لأجل أن الخمر من الكبائر ، واذا حذر من أشياء كثيرة كهذه جعلك تحذرها لأجلك أنت لا لأجل الله. فكان تحسين الخلق للناس لا لمجاورة سيد الناس ، فإن أقرب المسلمين إلي النبي هو أكرمهم في الأخلاق ، قلت هذا الكلام للتنبيه ، من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى إمرأة ينكحها أو مال يصيبه فهجرته إلي ما هاجر إليه كما قال سيد الخلق ..فجدد النية وانت تقرأ ، أن تحسينك لأخلاقك هو من أجل الله وهي من تمام الدين فقد كان النبي يقول أنه بعث ليكمل ويتمم مكارم الأخلاق ، وكفي بهذا الفضل أن تعزم علي تحسين خلقك . ولكن أكون منصفاً إذا قلت إني استفدت الكثير من هذه الرسالة ، كانت مليئة بالتحفيز لنيل المكارم والاخلاق العالية ووضح منها الكثير ، والتنفير والتشنيع علي الأخلاق السيئة بالمثل ، فكانت رسالة مليئة لمن أراد تعديل شخصه ، ومن أراد الغاية والعلو في الأخلاق ، فمن كان ذا عزيمة لإستحواذ هذه الصفات والأخلاق الحميدة وأبتعد وم��ل عن السيئة كان ذا حظ وفير وسيرة طيبة بالتأكيد ���️ الكتاب مفيد وقيم ويستحق القراءة ❤️✨
1- عدم ذكر الدين نهائيا رغم حديث الكتاب عن الأخلاق التي ليس لها مرجع إلا الدين!، وما استغربتُ منه أنه يدعو الناس أن لا تكثر من الخمر لأنها تسلب العقل، وأن الأفضل أن لا يُشرب نهائيا لأن المرء إن بدأ في الشرب لم يستطع أن يتوقف إلا وهو ثمل مما يسلب عقله ويذهب بهيبته. لا أفهم كيف استطاع الجاحظ أن يفصل هذا الأمر عن الدين بهذا الشكل، وكأني أمام رجل علماني وليس أحد كبار المعتزلة الذي سُميت إحدى مدارس المعتزلة على اسمه.
2- أنه تبنى نظرية أفلاطون في الأخلاق التي ترى أن النفسَ عبارةٌ عن نفس شهوانية ونفس غضبية ونفس ناطقة دون أي إشارة لصاحب النظرية.
غير ذلك فالجاحظ معروف في أدبه وتأثير كلمته في النفوس.
في الفصل الأول يبدأ المؤلف بتعريف الخلق وأقسامه وتأثيره في النفوس. ثم يقسّم النفوس إلى نفس شهوانية، وغضبية، وناطقة، موضّحًا الفوارق بين كل نفس وأخرى، ومبيّنًا مسؤولية ووظيفة كل نفس منها.
في الفصل الثاني، يتناول الكاتب مجموعة من الأخلاق الفاضلة والأخلاق الردِيّة، متحدثًا عن كل خلق في أقل من صفحة. كما أن هناك قسم في آخر الفصل للأخلاق التي تحتمل الأمرين، فتارةً هي ممدوحة وتارةً هي مذمومة. ومما لفت انتباهي أن الجاحظ وضع "العشق" من ضمن الأخلاق الرديّة لا الفاضلة ولا بين بين.
ثم يأتي فصلٌ ثالثٌ شديد القِصَر أسماه "في وصف الطريقة إلى السمو بالأخلاق"، يتحدث خصّيصًا عن السُكر والغناء والطعام -وهي أبرز سمات العصرالعباسي.
وفي آخر فصل، يصفُ لنا الإنسان الجامع لمحاسن الأخلاق، وما يميزه عن غيره.
أهم نقطة سلبية بالنسبالي هو خلوّ الكتاب من ذكر الدين في أي موضع، وهو ما يُستغرَب من كتاب في هكذا تصنيف وهكذا عصر. لكن هذا لا يمنع من استخراج فوائد جمّة من الكتاب، وأرى أنه يصلح للنشء في طور التعليم.
مازلت أجد صعوبة بسماع الكتب للأسف، يصعب علي التركيز في الكتاب كله لكن نروض أنفسنا على السماع أيضا و الإنصات... كتاب يحتاج ورقة وقلم عند قرائته فهو بوصله تجعلك تتفكر في نفسك واخلاقك وتحاول ترتيب نفسك من الداخل رحلة ممتعة فاللغة لطيفة والمعلومات ثرية... كلنا نشتكي سوء الأخلاق المنتشرة ممن حولنا والحال الذي وصلنا له والقليل من يحاسب نفسه أين هو من خارطة الأخلاق مايحتاج من أخلاق وعلى ماذا عليه ترويض نفسه.... والحمد لله على نعمة حب القراءة فالكتب تبصرك بنفسك قبل أن تبصرك بما حولك...
كتاب قد حوى درراً ... بعين الحسن ملحوظة بقلم زعيم البيان العربي، أخرج الجاحظ هذه الدرر في تهذيب الأخلاق ومحاسنها، عرف اولا الخلق قم ذكر أنواع الأخلاق وأقسامها، وذكر بعدها الأخلاق الردية ثم الأخلاق التي تتحمل أمرين، وختمها بالطريقة المثلى للوصول إلى سمو الأخلاق.
كتاب جميل وخفيف يقرأ في جلسة واحدة متحدثا عن الخلق وأقسام الخلق وتأثر الأخلاق بالنفوس ومتكلما بإختصار عن الأخلاق الفاضلة والرديئة منبها على الاقتصار بالشهوات ناصحا بالتعود على الكرم واصفا فضل الزهد في المال مرشدا لحب الخير وفي النهاية دالا على اجتناب العيوب بالكلية
لطيف، خفيف بالنسبة لكتب الجاحظ (إن صح أنه له) الله يرزقنا حسن الخلق ويبعد عنه سوءه:") لفت نظري رقم ٧ في سوء الخلق أنه وضع فيه "العشق" .. ولفت نظري إنه أشار إن البخل مطلوب عند النساء ودا فسرته يمكن لأن المرأة بطبعها ممكن مسرفة قليلا .. أتمنى يكون تفسيري صح.
من أجمل ما قرأت في باب تهذيب النفس والأخلاق، قصيرة لكن مستوفية، وزد على ذلك جزالة اللفظ وفصاحته، استمتعت بقراءته وبتحليل الجاحظ، ويحتاج لقراءات عديدة لا تكفيه مرّة،
كتاب يضم رسالة للجاحظ في تهذيب الأخلاق وترويض الأنفس واكتساب الصفات الحميدة والعدول عن الرديئة، مع شرح وتفصيل لكل صفة من تلك الصفات وكل نفس من تلك الأنفس، يسير القراءة قليل الصفحات عظيم المحتوى.
تهذيب الأخلاق رسالة صغيرة ولكنها غنية بالكثير والمفيد من المعلومات وما يتعلقق بالنفس وأقسامها وصفاتها وكيفية كسب الصفات المحمودة وتجنب المذمومة فعليكم بها ✌
في مخزن طفولتي يظهر مشهد كتاب غلافه ذو تصاوير ملونة معنونًا بـ"البخلاء" وعلمت آن ذاك أنه لكاتب من زمن سابق يسمى الجاحظ، وظل هذه الإسم يتراوح على مسامعي زمنًا يتبعه القدر الضئيل مما يمكن معرفته عنه، وأجلاه كان حبه للكتب وكيف مات بها كما يقال، أما أول ماقرأته له كان "التربيع والتدوير" مضمنًا في إحدى التطبيقات، وكنت حينها في" الباص" على مسافة ساعةٍ إلى وجهتي،وللأسف لم أكمله بعد على الرغم من قصره.. ربما لبعض تشتتي بين الكتب أو تكاسلي عنها أو لأنه ليس بكتاب يُقرأ في "الباصات" وبالكاد يُقرأ من شاشة الهاتف؛ لما يستحق من الإنكباب والتأمل بلا أذن تضج بضوضاء الطريق ولا عين تُلهب بضوء الشاشة..
ورجعت إلى ميدان الجاحظ العريض من خلال هذه الرشفة العذبة التي سميت "تهذيب الأخلاق" حتى تحين لي معه جولة تسنح لي معها فرصة بأن أطيل في الكلام عن رحاب الجاحظ الباهرة..
في رسالته هذه عزا الجاحظ إختلاف الأخلاق بين مكروهة ومحمودة إلى انقسامات النفس ا��ثلاثة: ـ النفس الشهوانية ـ النفس الغضبية ـ النفس الناطقة
وأرشد لكيفية التعامل مع كل منها، فإذا الإنسان أدرك حضور أو غلبة إحدى هذه الأحوال الثلاث كان عالمًا بحاله ومتأهبًا للتعامل معها بما يناسبها ويضبطها..
ثم عرف الأخلاق الفاضلة وأين تحسن وبمن تحسن وما يستثنى منها، ثم أتى إلى الأخلاق الرديئة وبمن تقبح وممن تقل قبحًا أو تكون منه مطلبًا (ولست أدري لمَ أشار إلى أن البخل من النساء غير مكروه وربما يستحب، ربما لأن العادة تشير إلى أنهن أكثر إنفاقًا 😗)
ثم وصف كيفية الإرتقاء بالأخلاق وتكلم عن بعض الأحوال فيها، ومايز بين طبقات الناس وأجناسهم في عموم رسالته، فالأخلاق كالأحكام لا تُطلق دون شروط وحدود ومواقيت، وهنا يتنبه العاقل إلى ضرورة تحكيم العقل في كل حال فلا يسترسل في ط��ع لا فاضل ولا شائن إلا وقد وضعه في موضعه بما يناسب حاله ومقامه..
قرأت هذا الكتاب سريعاً و قد اتفقت مع كثير مما قاله الجاحظ من مكارم الأخلاق و سفسافها، و لكني اختلفت معه أيضاً في بعضها، و أساس الإشكال أن الجاحظ ذكر ما يستحسنه أو يستقبحه من الأخلاق و لم يذكر الفرقان الذي يفصل به أو المكيال الذي يقيس به، وإنما عدد بعض الأخلاق و صنفها فحسب. و قد تأتى لي بعد قراءة بعض ما كتب أن الفرقان الذي استخدمه ليس فرقان الشريعة لأنه استحسن الكذب حال أنه ينجي و قد أمرنا الله بالصدق و لو على أنفسنا أو الوالدين و الأقربين، و ذم زهد الملوك و كان الفاروق أمير المؤمنين زاهداً في الدنيا بما حوت حتى أنه كان يغضب إذا نصحه أحد بأن يستزيد من الدنيا. على كل فالكتاب يؤخذ منه و يرد و هو حال كل كتاب كتبه ولد آدم. و هذا قولي و لا أزكي نفسي و الأمر متروك لعقل القارئ يمحص فيه كيف شاء.
إعلم أن الإنسان من بين سائر الحيوان ذو فكر و تمييز وهو ابداً يحبُ من الامور افضلها تشابه عظيم بين تقسيم الجاحظ للأنفس وترتيبها و اعتبار اعلاها مرتبة ما سماه بالنفس الناطقة و " مقال عن المنهج " لديكارت اما المراجعة فبعد الامتحانات و كده